نداء الإمام الخامنئی إلى حجّاج بیت الله الحرام
البراءة من الکیان الصهیونی وأمریکا یجب أن تتخطّى موسمَ الحجّ إلى المسلمین جمیعاً
بسم الله الرّحمن الرّحیم
والحَمدُ للهِ ربِّ العالمینَ، والصّلاةُ والسّلامُ على خیر البریّة، سیّدنا محمّدٍ المصطفى وآله الطیّبین، وصحبه المنتجبین، ومن تَبِعهم بإحسانٍ إلى یوم الدّین.
إنّ النداء الإبراهیمیَّ الرَّخیم، الذی یدعو على مدى العصور، وبأمرٍ من الله، جمیعَ النّاس إلى الکعبة فی موسم الحجّ، قد جذب هذا العام أیضًا قلوب جموعٍ من المسلمین حول العالم إلى معقل التوحید والوحدة هذا، وأفضى إلى هذه الحشود الشعبیّة العظیمة والمتنوّعة، مستعرضًا امتدادَ الإسلام البشریَّ وقوّةَ عنصره المعنویّ أمام العدوّ والصّدیق.
ومتى ما جرى النظر بعین التدبّر إلى اجتماع الحجّ العظیم ومناسکه المفصّلة، یبّث رباطة الجأش فی المسلم، ویمنحه الطمأنینة، وینشر الرعب والرّهبة فی العدو والمبغض.
ولا عجبَ إنْ استهدف الأعداء والمتربّصون سوءًا بالأمّة الإسلامیّة هذین الجانبین من فریضة الحج بهجمات التشویه والتشکیک، سواء عبر إبراز التباینات المذهبیّة والسیاسیّة، أو من خلال تهمیش الجوانب القُدسیّة والمعنویة.
یُقدّم القرآن الحجّ مظهرًا للعبودیّة والذکْرِ والخشوع، وتجسیدًا لکرامة البشر المتساویة وانتظام حیاتهم المادیّة والمعنویة، وتجلّیًا للبرکة والهدایة والسکینة الأخلاقیّة والوفاق العملی بین الإخوة، ومشهدًا لبُغض الأعداء ومجابهتهم باقتدار.
إنّ التدبّر فی الآیات المرتبطة بالحجّ، والتمعّن فی أعمال هذه الفریضة، التی لا نظیر لها، وفی مناسکها، یعرضان لنا، من خلال الترکیبة العمیقة للحج، هذه الأمورَ وأسرارًا ومکنونات من قبیلها.
إنّکم، أیّها الإخوة والأخوات الحجیج، تقفون الآن فی ساحة التدرّب على هذه الحقائق والتعالیم الساطعة. فلتُدنوا منها فکرَکم وعملَکم أکثر فأکثر، ولتعودوا إلى دیارکم بهذه الهویّة المصقولة والممزوجة بالمفاهیم السامیة؛ هذه هی الهدیّة القیّمة والحقیقیّة لرحلة حجّکم.
قضیّة البراءة، هذا العام، هی أبرز من أیّ زمنٍ مضى، ففجائع غزّة المنقطعة النظیر فی تاریخنا المعاصر، وعنجهیّة الکیان الصهیونی عدیم الرحمة وهو مظهر القسوة والعُتوّ والآیل إلى الزّوال بالتأکید، لم تدعْ مجالًا للتهاون والممالأة لدى أیّ فرد أو حزب أو حکومة أو فرقة مسلمة. یجب أن تتواصل البراءة هذا العام بنحو یتخطّى موسمَ الحجّ ومیقاتَه، إلى الدول والمدن التی یقطنها المسلمون فی أرجاء العالم کلّه، وتتعدّى الحُجّاجَ إلى کلّ فردٍ من الناس.
إنّ هذه البراءة من الکیان الصهیونی وداعمیه، ولا سیّما الإدارة فی الولایات المتحدة الأمریکیّة، ینبغی أن تتجلّى قولًا وعملًا لدى الحکومات والشعوب، فتضیّق الخِناق على الجلّادین.
یجب، وبکلّ الطرق، مساندةُ المقاومة الفولاذیّة لفلسطین، ودعم أهالی غزّة الصابرینَ المظلومین، الذین دفعت عظمة صبرهم ومقاومتهم العالم إلى الإشادة بهم وتبجیلهم.
أسأل الله لهم نصرًا تامًّا وعاجلًا، ولکم - أیّها الحجّاج الکرام - حجًّا مقبولًا. ولْیَکُن دعاءُ بقیةِ الله (روحی فداه) المستجابُ سندًا لکم.
والسّلامُ علیکُم ورَحمةُ الله
السیّد علی الخامنئی
4 ذی الحجّة 1445
11 حزیران/ یونیو 2024